آخر الأخبار

حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول - صباه وشبابه

 

سلسلة مقالات: 

حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول 

إعداد/ د.عبد المنعم خليل وهبي  


السيرة المحمدية العطرة


رعاية الرحمن لسيدنا محمد ﷺ في صباه وشبابه    The God's care for Prophet Mohammed, in his childhood and young age The God's care for Prophet Mohammed, in his childhood and young age


عظمة شخصية الرسول ﷺ كإنسان تجلت في كل أخلاقياته وتصرفاته خلال 40 سنه قضاها بين قومه في مكة - قبل البعثة الربانية, ولقد شهد له أهله جميعا خلالها بانه لا يكذب مطلقا... ولا يقسم بأي من أصنامهم, ويحافظ على كل حق لغيره - إذا أئتمنه أحدهم على شيء لديه, .... حتي لقبوه جميعا بأنه (الصادق الامين).


** و(بمشيئة الرحمن) سوف نستعرض في حلقات هذه السلسلة من المقالات البحثية عن الجانب الإنساني - الذاتي في شخصية الرسول ﷺ خلال سيرته العطره قبل وبعد (البعثة المباركه), وكيف أن مفاتيح شخصيته المتميزه (كإنسان أولا) متطابقة تماما مع كل القواعد الإسلامية الملزمة حتى (من قبل) نزول الوحي عليه بالقرآن العظيم, وبه كل التكاليف الإلاهية الواجب توفرها لدى المسلمين والمؤمنين المتمسكين بفروض ربهم والمتجنبين لنواهيه 

-------------------------------------------------

 3- رعاية الرحمن لمحمد  في صباه وشبابه


رعي الغنم في صباه

- كان (الطفل محمد) يلعب مع غلمان قريش،, لكنه لم يشاركهم في الألعاب التي يتعري فيها الأطفال, حيث عصمه الله مما يخدش الحياء , فكان يلعب معهم في نقل الحجاره, لكن لا يخلع إزاره ليجعله على كتفه لحمل الحجارة, بل يحملها ويبقي عليه إزاره.

 - كما إشتغل كثيرا في رعي اغنام أهل مكة في باديتها, وهي مهنة تتيح التمتع بهدوء الصحراء والتطلع لمظاهر عظمة خلق الله، مع مناجاة الوجود في هدأة الليل وتحت ضوء القمر، كما تعلم الراعي الصبر، والحلم والرأفة والرحمة. لأن رعي الغنم بالذات تختلف عن بقية حيوانات الرعي, لكونها أضعفهم، وتفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر وعدم ضبطها بالرباط (مثل الإبل والبقر)، لكن مع أكثرية تفرقها, فإنها أسرع انقيادا منهم لتوجيهات الراعي.     

وعن أبي هريرة أن الرسول قال: 

( ما بعث الله نبيا إلا ورعى الغنم … فقال أصحابه, وأنت... فقال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ).  

( القراريط = جزء من الدينار)

 وهي مهنة مطلوبة للأنبياء, لتعلمهم الصبر والتحمل، مع التواضع والرحمة، حتى يكونوا أقدر على التعامل في هداية البشر والصبر على دعوتهم وهدايتهم للحق.


تعلمه التجارة خلال صغره 

عندما إقترب (الصبي محمد) من سن البلوغ (أقل من 12 سنه)، بدأ يساعد عمه (أبي طالب) في تجارته, ليتعلمها ويتقنها.  

وعندما عزم عمه على السفر إلى الشام للتجارة في أحدى رحلات الصيف, تعلق به (محمد), راغباً في صحبته ليتعلم طرق التجارة الخارجية وأسرارها. عندها رقَّ له قلب عمه (رغم صغر سنه), فوافق وخرج به مع قافلة الشام. 

ونزل الركب خلال السفر عند بلجة (بصرى), وكانت مدينة تجارية كبيرة بأول أرض الشام, وكان يعيش على أطرافها راهب يدعى (بحيرا) في صومعة له، وكان عالم بالنصرانية، وكانت القواقل تمر به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم.

فلما نزلت قافلة قريش قريباً من صومعته، لاحظ نزول محمد مع عمه وبضاعتهم تحت (ظل شجره) لها مكانة خاصة لديه. صنع للركب طعاما ونزل اليهم ودعاهم جميعا اليه, وحرص على فحص (الغلام محمد), ووجد فيه علامات يعرفها للنبوة.

- فطلب من عمه ابي طالب أن يسرع في الرجوع بابن أخيه لمكة، وان يحذر عليه من اليهود، لأنهم إن عرفوه سيبَغوْنُه شرًّا، لإنه سيكون لابن أخيك هذا شأن عظيم. فتعجل عمه الفراغ من أعمال تجارته, وأسرع عائدا به حتى قدم به مكة 


حماية الله لفتوته من رزايا أهل الجاهلية

- ذكر الرسول عن بداية حياته بين أقرانه من فتيان مكة :

إنني ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به، إلا مرتين من الدهر، وكلتيهما عصمني الله منهما. فلقد قلت ذات ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها : أبصر إلي غنمي, حتى أسمر (السَمَر هو الحديث واللهو ليلا) هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، فقال: نعم، 

فخرجت، فلما جئت (أدنى دار من دور مكة)، سمعت غناء وضرب دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا؟! فقالوا: فلان تزوج فلانة، (رجل من قريش تزوج امرأة من قريش)، 

فجلست بعيدا ألهو بسماع صوت الغناء, حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس اليوم التالي, فرجعت لفتى الغنم، فقال: ما فعلت؟، فأخبرته.  ثم قلت له في ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، 

فخرجت، فسمعت مثل ذلك، وقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس.

 فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته


أحترافه العمل بالتجارة مع عمه 

لم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته مع عمه من رحلة الشام (بصرى)، فكان يساعده في تجارته في مكة وفي الأسواق المؤقتة بقرب مكة والتي تقام خلال موسم الحج، مثل (سوق عكاظ ومجنة وذي المجاز)، ومارس فيها مع عمه البيع والشراء, وخلال ذلك عرف بين أهل مكة وتجارها بأنه أمين في متاجرته ولا يتكلم الأ بالصدق خلال تعاملاته مع زبائنه, لكنهم لاحظوا أنه لا يقسم أبدا بأي من الهتهم العلا, وبمرور السنين التصقت هذه الصفات بشخصه بعدها, فصار اهل مكة (والقرشيين بينهم) يأتمنونه في أيداع ممتلكاتهم الهامة أمانة لديه, فكان يقبلها منهم بالترحاب, ويحافظ عليها, حتي يستردوها منه كاملة, وبمرور السنوات التصقت هذه المكارم بإسمة, فصار يلقب (بالصادق الأمين).   


اخلاق الرسول في شبابه

اتسمت حياة الرسول بالعفة والشرف، وعاش شبابه بلا زلات، ولم تتلطخ مسيرته بأي من أخطاء اقرانه وعثراتهم، كما عرف منذ صغره بالنجابة، وكان أكثر الناس حلمًا، وأحسنهم نسبًا وخلقًا وجوارًا، وأبعد ما يكون عن الفحش أو أفعال الجاهلية, ، فلم يسجد لصنم قط, ولم يشرب الخمر أو يعاشر النساء، ولم يلعب الميسر (القمار). 

وكان يعطف على الفقراء ويكرم الضيف ويصل الرحم، ويعين ضعفاء الناس، ويكرم البائسين، ويخفف على المكروبين، لذلك لما نزلت عليه النبوة، واسته السيدة خديجة ، وطمأنته على سلامة نفسه, بقولتها الشهيره:

 «ما كان الله ليخزيك أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق»


تعاقده مع السيدة خديجه للإتجار في أموالها

بمرور السنوات, تزايدت مهارة محمد في التجارة, وذاع صيته كتاجر صادق وأمين, فكان العديد من أهل قريش يسلمونه أموالهم ليتجر لهم فيها، بعد ما عرف أسرار البيع والشراء وأتقن جني الأرباح من ذلك, لنفسه ولمن يأتمنه على ماله.

ومع رسوخ مكانته وإشتهار صفاته, صار معدودا بين رجالات قريش الشرفاء, وأصبح يشاركهم في ندواتهم واجتماعاتهم عند التداول في أهم قضاياهم. 

وكانت  السيدة (خديجة بنت خويلد) ذات حسب وشرف بين القريشيين, وكانت تزوجت من (أبو هالة) في صغرها, ثم مات عنها وترك لها ثروة مالية كبيرة, لذلك كانت تستأجر التجار ليتجروا بمالها, وبالذات مع قوافل قريش التجارية للشام صيفا ولليمن شتاءا, فلما بلغها خير صفات التاجر الشاب (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) وإتقانه للتجارة, مع صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، أرسلت له كي يخرج ويتجر لها في مالها مع قافلة الشام التالية, وستعطيه ضعف ما تعطي لغيره من التجار بالسابق, فقبِل. وأخذ سريعا يجهز سلع بضاعته التي سيسافر بها, وأرسلت معه خديجه غلامها (ميسره) ليخدمه, وأوصته بألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها كل أحواله.

- فخرجا مع قافلة الشام, ولما قدما سوق بلدة بصرى (بأول بلاد الشام)، نزل محمد بتجارته في ظل شجرة، وكانت وقتها قريبة من صومعة الراهب (نسطور), فشاهد الراهب محمد, وراقبة في عمله, وسأل ميسره عن أخباره, فوجد فيه ما سبقه إليه (الراهب بحيرا) من سنوات طويلة, وأوصي ميسرة بألا يفارقه، لأنه سيكون آخر الأنبياء.

وكان ميسرة قد لاحظ إنه عند إشتداد حر الهاجرة يظهر فوق محمد (ما يشبه ملكان) يظللان عليه من الشمس. 

- فلما باعا تجارتهما, أخذ محمد يشتري من السوق ما سيعودون بها من بضائع لبيعها في مكة, وكان ميسرة يتعجب لما يراه من محمد من خلقه الطيب في البيع والشراء, بما لا يشابه غيره, وإنه لا يقسم أبدا بأي من أصنام قريش خلال حديثة مع زبائنه. فلما تجهزوا ببضاعتهما, رحلا بها مع قافلة الرجوع لمكة. 

- وعلى طريق عودتهم, وقريبا من دخول مكه, نزلت القافلة عند (مر الظهران), وجد محمد أنهم قد ربحوا ضعف ما ربح غيرهم، فقال له ميسرة: يا محمد انطلق فورا إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك, فإنها تعرف لك ذلك.

- فأسرع محمد حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، ودخل على خديجة وأخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك.

- فلما وصل بعده ميسرة وأخبرها بما شاهده من طباع وكريم أخلاق محمد السامية, وبما قاله عنه (الراهب بحيرا), فسرت لكل ما وصلها عن محمد, وجعلت له ضعف ما سمت له واتفقت عليه من قبل السفر.


السيدة خديجه تختاره زوجا لها

لما رأت السيدة خديجة في تجارتها بمالها مع محمد البركة والنماء كما لم تر من قبل، وأُخْبِرت من كثيرين بشمائله الكريمة، رغبت في زواجه, وأخبرت بذلك صديقتها نفيسة (أخت على بن أمية), وأرسلتها إليه دسيساً (خفية)، لتعرض عليه نكاحها، فقبل, وشاور في ذلك أعمامه . وكان كل شريف بقريش يتمنى زواجها،.... لكنها آثرت إختيار محمد ـ فأصابت بذلك خيري الدنيا والآخرة .

- وكان محمد ابن 25 سنة عندما تزوجها، بينما كانت خديجة (أيما) وعمرها 40سنة, فخطبها  له عمه (حمزة بن عبدالمطلب)  من عمها (عمرو بن أسد بن عبد العزى) , لأن أباها مات من زمن, في (حرب الفجار) بالجاهلية.

- وتمَّ زواجهما مقابل صداقٍ مقداره 20 بكرة (الإبل الشابه)، وحضر الخطبة أهلهما من بنو هاشم، وسادةٌ من مضر.

وأهدته خديجه بعد الزواج غلامها ( زيد ) ليخدمه, وكان عبدا لها إشترته وهو صغير, وكان مختطفا من قومه (بني حارثة) في أحد غزوات القبائل, وبيع بعدها عبدا. لكن النبي أحبه لذكائه وفطنته, وأهتم بتربيته وتعليمه القراءه والكتابه, ثم دعاه إبنا له, فأصبح أسمه بين الناس (زيد بن محمد).  

 

تمتع مع السيدة خديجة بحياة عائلية هنيئة

كان زواج محمد من السيدة خديجه هدية له من ربه, وإصلاح مناسب تماما حياته, فلقد أحبته زوجته وقدرت مكانته وراعته بأفضل ما تكون الزوجه لزوجها, وعوضته بحنانها عن حياة اليتم التي قاساها طوال عمره, وكفلت له بإتجاره في أمولها حياه رغدة محت أي أثر للفقر أو الحاجة من طريقه, وهو ما اشار اليه ربه فيما بعد, عند نزول قرآنه. 

   { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ... أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ... وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ... وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ... } (سورة الضحى : 5 -8 )

- ولذلك ظل محمد يحبها ويقدرها طوال حياتها وحتى لسنوات طويلة بعد مماتها , فلما غارت من ذكراها زوجته بعدها (السيدة عائشة) - وبعد سنوات عديده من وفاتها, ذجرها قائلا :

 (لا والله لم يبدلني خبرا منها, فلقد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد), 


- وكان يكني بولدها (أبا القاسم), ثم ولدت له أخ أصغر من بعده, بالإضافة لأربعة بنات. 

- لكن أعظم أدوارها في حياته, سيكون حين أثبتت له جدارته, حينما إرتعب وإرتج بعد أول نزول للوحي عليه, وهو ما سنتناوله لاحقا.


عبادة محمد قبل البعثه

  • كان النبي نافراً من عبادة قومه، وكان يمنع غلامه "زيد بن محمد" أن يتمسح بالأصنام أو يقسم بها، حتى خشيت على محمد (احدي عماته) من أن يناله أّذى من قريش لعدم تعظيمه لألهتهم.
  • وكان بعض أشراف قريش يعرفون (التحنث) والتعبد، وبخاصة في شهر رمضان، فيعتكف بعضهم في (أحد الغيران) الموجودة في الجبال المحيطة بمكة، ولعلهم توارثوا هذا النسك من جدهم الأكبر (إبراهيم) خليل الله - عليه السلام.
  • كما كان البعض من المتعبدين يصعدون في موكب معا (جبل حراء) المطل على الحرم, ثم يهبطون وهم يرددون الأدعية
  • وقيل أن جده (عبد المطلب)، كان يشارك في بعض هذه المواكب على جبل حراء.  
  • أما محمد, فكان طوال شبابه وبعد زواجه يحب المكوث منفردا بالخلاء بعيدا عن قومه، لما كان يراهم عليه من الضلال المبين، من عبادة الأصنام والسجود للأوثان. وزادت محبته للخلوه بعد إقترابه من سن الأربعين, فكان يخرج بإنتظام إلى (غار في جبل حراء) طوال شهر رمضان في كل سنه, ليتنسك فيه ويتفكر ويتأمل . 


غار جبل حراء  

حراء جبل مرتفع وقريب من الكعبة المشرفه, ويبعد عنها حوالي 5 كيلومتر فقط، على الطريق إلى منى، وهو جبل كثير الغيران, وإختار مخمد غاراً فيه بأعلى الجبل مطل على الكعبة لتحنثه, والأرض في سفح هذا الجبل جدباء, بلا نبات ولا ماء، لذلك كان محمد يتزود معه بما يكفي حاجته من طعام وشراب طوال إعتكافه, وبعد زواجه صارت السيدة خديجة ترسل له ما يحتاج, وكان أثناء مكوثه يطعم من يمر بالجبل من المساكين.

 وكان إذا انتهى من إعتكافه وتحنثه, نزل عائدا لمنزله بمكة, ويطوف أولا بالكعبة المكرمة سبعة أشواط قبل دخول بيته.

 وكان بعد زواحه يعيش حياة زوجية وأسرية مستقرة ووادعة، حيث أن الله أغناه بتجارته الرابحة بعد زواجه من خديجة الثرية, لذلك وجد فسحة من الوقت تسمح له بالأعتكاف بالغار, بينما يترك أولاده مطمئناً عليهم في يد زوجة راعية وأمينة.


البشارات بظهور نبي قبل نزول رسالة الإسلام

- خلال شباب محمد، أنتشر بين حجاج الكعبة نبوءات تبشر بقرب ظهور نبي, وبدآها (يهود يثرب), بإعلان أنهم وجدوا النبوءة في توراتهم, وأنه قد حان اوانه, وينتظرون ظهوره من بينهم, وصاروا يهددون به (عرب يثرب) من الأوس والخزرج - المقيمون حولهم, بانه سيقود تنكيلهم بهم, وسيقتلونهم (قتل عاد وإرم).  

- فلما وصلت النبوءة لمكة مع زوارها, إقتنع بعضهم بها, وبإنه لابد وان يظهر من بين أهل الحرم المكي (لأنهم الأولى بذلك).

 حتى أن بعض الأتقياء من رجال قريش التزموا الإعتكاف في بعض غيران الجبال المجيطة بالكعبة للتنسك والتأمل, أملا في تحقق النبوءة في أحدهم, فتختاره السماء لتنزل عليه الرسالة، وكان من أشهرهم (أميه بن الصلت)، وعدد منهم غيره.

- لكن محمدا لم يخطر بباله أن يكون نبيا، ولم يتعلق بالبشارات التي يسمعها تتكرر من حوله. 

لذلك كان نزول الوحي عليه في الغار بجبل حراء مفاجأة صاعقة له، فلما غادره الملاك, أسرع مرتعبا بالنزول من الغار, وعاد لزوجتة فزعاً, ومتخوفا أن يكون قد اصابه مس من الجن,.. ويؤكد ذلك قوله تعالى


{ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ... إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ... فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِي} [القصص - 86] 


﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾   ( البقرة - 89) 


وكان محمد في معتكفه يتبع فطرتة السليمة والخالية من الأدران، ويتعبد بما ألهمه الله به وهداه اليه حتى ملأ نفسه وقلبه، فكانت عبادته تفكرا وتأملاً وتدبرا في دلائل قدرة الله وبدائع صنعه، مع استنكاره ورفضه لما عليه الناس حوله من وثنيه وشرك وضلالات.   

لذلك أوصلته فطرتة السليمه المتجرده من الهوى والتقليد إلى الإيمان الأكيد بوجود (إله واحد لا شريك له)، وليس له مثيل ولا شبيه ولا تقف قدرته عند أي حد. وهو ما كان أهتدي اليه قبله أبو الأنبياء، (إبراهيم عليه السلام)، حيث أوصلتهما الفطره السليمه إلى المبادىْ الصحيحة التي ألتقت عليها كل الديانات السماوية, وهي توحيد الأله الخالق مع إسلام الوجه والقلب لله رب العالمين, وهو مصداقً لقوله تعالى : 

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ.... فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا .... لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ... ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ... وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: - 30)


وهكذا يتضح لنا أن محمدا كان معتكفا في ذلك الغار المنعزل بجبل حراء, كي يتعبد لربه بفطرته المتأصلة وطباعه الحنيفية الرافضة للشرك بالله, والمتجذرة فيه من أثر جده الأكبر - نبي الله (إبراهيم الخليل), لذلك صعق بتواجد (الملاك جبريل) إمامه... وقد أخذ يكلمه... ويأمره (إقرأ.... إقرأ...) مع أنه لم يعرف القراءة مطلقا.    

- فلما غادره الملاك, ترك محمد الغار مرتعبا, ونزل لزوجتة فزعاً متخوفا, وهو يصرخ قائلا :  

زملوني... زملوني... دثروني... دثروني.


* وسنتابع التفاصيل بالحلقة القادمه.

----------------------------------------------

في النهاية هذة الحلقة عن حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول
2. مولد محمد ﷺ تمهيد لنزول الرحمة للبشر
بحث عن السيرة النبوية 
السيرة المحمدية العطرة
مقدمة عن السيرة النبوية
رعاية الرحمن لسيدنا محمد  في صباه وشبابه


إعداد/ د. عبد المنعم خليل وهبي
أستاذ بالأكاديميه الصحية بالسعودية سابقًا

سلسلة مقالات: حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول    تأليف/ د.عبد المنعم وهبي أستاذ بالأكاديميه الصحية بالسعودية سابقًا 

مراجعة/ د. منى حافظ
الأستاذ المتفرغ بمعهد بحوث الإلكترونيات.

سلسلة مقالات: حياة محمد ﷺ الإنسان & الرسول 

  لقراءة الأجزاء السابقة من السلسلة بعنوان: 
  1- الحياة الجاهلية بمكة - قبل مولد محمد
 2- مولد محمد - تمهيد لنزول الرحمة بالبشر

ليصلك كل ما هو جديد ومفيد وصحي برجاء الإعجاب بصفحتنا على الـ FaceBook

عرضاخفاءالتعليقات
الغاء

HH

نموذج الاتصال

Name

Email *

Message *

المشاركات الشائعة